نقلا عن جريدة الغد ... الرئيس الفلسطيني في ورطة

تقرير خاص - (الإيكونوميست)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
رام الله - بعد سنة من وعده بوضع مسألة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين قرب قمة أجندته، ما يزال الرئيس الأميركي باراك أوباما يناضل لجعل المفاوضات تستأنف مرة أخرى. وقد كان مبعوثه الخاص جورج ميتشل في حركة مكوكية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبين محمود عباس، في جهد عبثي من أجل إغواء الرئيس الفلسطيني بالعودة إلى مائدة التفاوض. فماذا بوسعه أن يفعل أكثر؟
لقد حول السيد ميتشل وجهته بعيداً عن محاولة إبرام صفقات حول القضايا الكبيرة، مثل تفكيك المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، أو اجتراح طرق لتقاسم السيادة على القدس. وبدلاً من ذلك، كان يحاول جعل الطرفين يتخذان خطوات أكثر تواضعاً لبناء الثقة: تبادل للسجناء؛ صفقة لجعل الإسمنت يدخل إلى غزة (المحظور حتى الآن لأنه ربما يستخدم، حسب الإسرائيليين، لبناء منصات إطلاق للصواريخ)؛ وموافقات إسرائيلية على إعادة قطعة أخرى صغيرة من الأرض للفلسطينيين ووقف قواتها عن الإغارة على البلدات الفلسطينية في الضفة الغربية.
لكن شعب السيد عباس يقول إن أيا من هذا لن يكون كافياً لإعادته إلى مائدة التفاوض. إن تجديد المفاوضات، كما يقولون، سوف لا يفعل سوى إعطاء الإسرائيليين غطاء الإذعان الفلسطيني لجعلها تبني المزيد من البيوت الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية. وفي حقيقة الأمر، فإنهم يشيرون إلى أن المستوطنات في الماضي كانت تنزع إلى التمدد حتى بوتيرة أسرع، عندما كانت عملية السلام جارية. ويقول متفاوض فلسطيني سابق: "كلما تفاوضنا أكثر، خسرنا أكثر".
لكن بعض الدبلوماسيين الغربيين والدبلوماسيين الفلسطينيين يلمحون إلى أن السيد عباس، بدفعة مساعدة من الدول العربية، مهيأ تماماً إلى خفض السقف قليلاً. وهم يقولون إنه يضع على الرف مطلبه القديم بتجميد كامل للاستيطان وسوف يوافق على خطة لبدء مفاوضات متدنية المستوى أو غير مباشرة، من أجل إنقاذ ماء وجه الزعيم الفلسطيني. وهم يقولون إن السيد عباس يعرف أنه لن يجد رئيساً أميركياً أكثر تعاطفاً من السيد أوباما، ولهذا يخشى من تبديد فرصة وجوده. وبالإضافة إلى ذلك، فإن السلطة الفلسطينية التي يترأسها عباس، تعتمد تماماً على الأموال الأميركية.
مع ذلك، وفي حال قرر السيد عباس فعلاً أن يخفض سقفه، فإن تلك ستكون عملية محفوفة بالمحاذير. فبعد شهور من قوله علناً إنه سوف يقف بحزم، فإنه سيكون لديه القليل ليعرضه لتبرير تغير موقفه. إن السيد نتنياهو متردد إزاء منح الفلسطينيين ضمانات بخصوص مطالباتهم بـ"إطار مرجعي رسمي" يعترف ببعض أكثر القضايا حساسية، مثل مسألة القدس. ويريد السيد عباس أيضاً من السيد ميتشل أن يقول إن المدينية يجب أن يعترف بها باعتبارها عاصمة الدولتين المستقبليتين. وكما لو ليسكب الملح في الجراح الفلسطينية، حضر السيد نتنياهو احتفالاً لزراعة الأشجار في مستوطنة عندما كان ميتشل ما يزال في البلد. ومرة تلو المرة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أن أي دولة فلسطينية ينبغي أن تكون محاطة كليّة بالقوات الإسرائيلية.
السيد عباس، الذي كان مرناً بشكل ملحوظ منذ تولي مكان ياسر عرفات عندما توفي الرجل منذ خمس سنوات مضت، يتملك بطاقات لعب سيئة. فإدارة أوباما، ربما المفرطة في الثقة، أقنعته بالموافقة على أنها سوف تطالب بتجميد كامل للاستيطان كثمن للشروع في تجديد المفاوضات. لكنها عندما تراجعت، تقطعت بالسيد عباس السبل على نحو محرج.
على أية حال، يبدو أنه يفتقر إلى استراتيجية. والمشككون في حزبه الخاص، فتح، شأنهم شأن خصومه المريرين في حماس، الحركة الفلسطينية الإسلامية التي تدير غزة، يزدرونه على فشله في إحراز تقدم، ويدعون إلى استبداله؛ وفي الحقيقة، كان قد قال مسبقاً إنه ربما يستقيل. ويقول مناصر من فتح ذكر اسمه في بعض الأحيان كخليفة لعباس: "ليست لدينا انتخابات، ولا مصالحة مع حماس. إننا نبدو سخيفين".
في حين ينظر السيد في أمر تثبيت أقدامه لفترة أطول، يبحث بعض الوسطاء الأميركيين عن بدائل. إنهم يسربون شيئاً عن خطة قدمها رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، حول المضي في بناء دولة، والتي يمكن أن يقدمها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للمصادقة والاعتراف في غضون سنتين. لكن قلة من الفلسطينيين قد يغامرون بالاعتماد على مجلس الأمن، حيث يتملك الأميركيون حق النقض (الفيتو) للتصويت على مثل هذه الدولة. وفي حال أحجم الأميركيون والأوروبيون حينئذ عن الدعم، فإن السيد فياض سيبدو سخيفاً مثل السيد عباس.
ثمة اقتراح أكثر راديكالية، عبر عنه بعض الفلسطينيين الآخرين، وهو حل السلطة الفلسطينية كلها وجعل إسرائيل تتحمل المسؤولية عن الاحتلال. ولكن حتى أكثر الفلسطينيين قسوة في انتقاد السيد عباس في داخل السلطة الفلسطينية يميلون إلى أن يبقوا مستفيدين من المنافع الشخصية التي توفرها الحالة الراهنة. وعلى أية حال، فإن الكثيرين من الفلسطينيين يتمتعون بالازدهار المتصاعد الذي تشهده الضفة الغربية. وتزخر عاصمتهم الإدارية، رام الله، بالمباني الجديدة ومحلات الإلكترونيات والكحول، والكثير من الفوائد العرَضية للمساعدات الخارجية. وتتلألأ رام الله في الليل بأضواء النيون. كما أن المدن الفلسطينية الأخرى، تبدو بعيدة عن الانكماش الاقتصادي العالمي، ولو بإشراق أقل من رام الله.
وفي الأثناء، تبدو اللامبالاة السياسية وكأنها تستشري. فقد اجتذب اجتماع أخير حظي بالكثير من الاهتمام بالدعوة إليه، حيث كان ينبغي للفلسطينيين التعبير عن مطالبهم إزاء القدس الشرقية التي يقطنها العرب جمهوراً قل عن 50 شخصاً. وطالما ظل المانحون الأجانب يدفعون فاتورة رواتب السلطة الفلسطينية، فإن القليلين يتوقعون قيام انتفاضة جديدة. ويقول وزير فلسطيني سابقاً متحسراً إن السيد نتنياهو كان محقاً إزاء جلب التطور الاقتصادي للسلام، لفترة ما على الأقل.
أما بالنسبة لأولئك الفلسطينيين، خصوصا في المناطق الريفية ومخيمات اللاجئين، الذين يظلون أقل قابلية لأن يغويهم ألق المقاهي، فإن السلطات ما تزال تميل إلى أن تكون أكثر استعداداً للجوء إلى العصي من الجزر. وتحت قيادة جنرال أميركي، كيث دايتون، انتشر المئات من أفراد قوات أمن السلطة الفلسطينية عبر البلدات الفلسطينية، منسقين مع القوات الإسرائيلية من أجل إسكات المعارضة الفلسطينية. ومع أن جماعات حقوق الإنسان تقول إن تعذيب المعارضين قد انخفض، إلا أن معدل الاعتقالات يظل مرتفعاً بشكل حاد.
يوسف القرضاوي، وهو واعظ بارز من جماعة الإخوان المسلمين المرتبطة بحماس، دعا مؤخراً إلى رجم السيد عباس، حتى "في مكة" بسبب سعيه لتأجيل نقاش في الأمم المتحدة حول تقرير ريتشارد ستون، القاضي الجنوب إفريقي، حول انتهاكات القوات الإسرائيلية خلال اعتداء إسرائيل على غزة قبل نحو عام. وقد استجابت سلطة السيد عباس الفلسطينية بملء الضفة الغربية بالملصقات التي تعرض السيد القرضاوي وهو يعانق يهوداً من المتدينين المتطرفين في اجتماع للحوار بين الأديان، مع تعليق يقول: "القرضاوي يقابل الإسرائيليين". هكذا يبدو النجاح الظاهري لقمع السلطة الفلسطينية لحماس في الضفة الغربية، حتى أن الملصقات الساخرة على الجدران، والتي عادة ما تلطخ بالغرافيت، بقيت دون أن تمس. لكن ذلك لن يساعد السيد عباس في سعيه إلى إعادة إطلاق مفاوضات ذات معنى مع إسرائيل.ظهر هذا المقال تحت عنوان: Will he, won't he, join the dance?